فصل: كتاب الصلاة‏

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب الحائض لا تصوم ولا تصلي وتقضي الصوم دون الصلاة

1 - عن أبي سعيد في حديث له‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال للنساء‏:‏ أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل قلن‏:‏ بلى قال‏:‏ فذلكن من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن‏:‏ بلى قال‏:‏ فذلكن من نقصان دينها‏)‏‏.‏

مختصر من البخاري‏.‏

الحديث أخرجه مسلم من حديثه وأخرجه أيضًا مسلم من حديث ابن عمر بلفظ‏:‏ ‏(‏تمكث الليالي ما تصلي وتفطر في شهر رمضان فهذا نقصان دينها‏)‏ واتفقا عليه من حديث أبي هريرة وأخرجه الحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود‏.‏

‏[‏وأخرجه النسائي في الصلاة وابن ماجه‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تصل ولم تصم‏)‏ فيه إشعار بأن منع الحائض من الصوم والصلاة كان ثابتًا بحكم الشرع قبل ذلك المجلس‏.‏

والحديث يدل على عدم وجوب الصوم والصلاة على الحائض حال حيضها وهو إجماع‏.‏

ويدل على أن العقل يقبل الزيادة والنقصان وكذلك الإيمان وليس المراد من ذكر نقصان عقول النساء لومهن على ذلك لأنه مما لا مدخل لاختيارهن فيه بل المراد التحذير من الافتتان بهن وليس نقص الدين منحصر فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك قاله في الفتح ورواه عن النووي لأنه أمر نسبي فالكامل مثلًا ناقص عن الأكمل ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك صلاتها زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي‏.‏ وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها‏.‏

قال النووي‏:‏ الظاهر أنها لا تثاب والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته والحائض ليست كذلك‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وعندي في كون هذا الفرق مستلزمًا لكونها لا تثاب وقفة‏.‏

2 - وعن معاذة قالت‏:‏ ‏(‏سألت عائشة فقلت‏:‏ ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت‏:‏ كان يصيبنا ذلك مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

نقل ابن المنذر والنووي وغيرهما إجماع المسلمين على أنه لا يجب على الحائض قضاء الصلاة ويجب عليها قضاء الصيام‏.‏

وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبون على الحائض قضاء الصلاة وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة قال الحافظ‏:‏ لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره ومستند الإجماع هذا الحديث الصحيح ولكن الاستدلال بعدم الأمر على عدم وجوب القضاء قد ينازع فيه لاحتمال الاكتفاء بالدليل العام على وجوب القضاء والأولى الاستدلال بما عند الإسماعيلي من وجه آخر بلفظ‏:‏ ‏(‏فلم نكن نقضي‏)‏ ذكر معناه في الفتح ولا تتم المنازعة في الاستدلال بعدم الأمر على عدم وجوب القضاء إلا بعد تسليم أن القضاء يجب بدليل الأداء أو وجود دليل يدل على وجوب قضاء الصلاة دلالة تندرج تحتها الحائض والكل ممنوع‏.‏

وقد ذهب الجمهور كما قاله النووي إلى أنه لا يجب القضاء على الحائض إلا بدليل جديد‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ قال العلماء والفرق بينهما يعني الصوم والصلاة أن الصلاة كثيرة متكررة فيشق قضاؤها بخلاف الصوم فإنه يجب في السنة مرة واحدة وربما كان الحيض يومًا أو يومين‏.‏

واعلم أنه لا حجة للخوارج إلا ما أسلفنا من أن عدم الأمر لا يستلزم عدم وجوب القضاء والاكتفاء بأدلة القضاء فإن أرادوا بأدلة القضاء حديث‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاته أو نسيها‏)‏ فأين هو من محل النزاع وإن أرادوا غيره فما هو وأيضًا أدلة القضاء كافية في الصوم فلأي شيء أمرهن الشارع به دونها والخوارج لا يستحقون المطاولة والمقاولة لا سيما في مثل هذه المقالة الخارقة للإجماع الساقطة عند جميع المسلمين بلا نزاع لكنه لما رفع من شأنها بعض المتأخرين لمحبة الأغراب التي جبل عليها ذكرنا طرفًا من الكلام في المسألة‏.‏

وقد اختلف السلف فيمن طهرت من الحيض بعد صلاة العصر وبعد صلاة العشاء هل تصلي الصلاتين أو الأخرى‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وعن ابن عباس أنه كان يقول‏:‏ ‏(‏إذا طهرت الحائض بعد العصر صلت الظهر والعصر وإذا طهرت بعد العشاء صلت المغرب والعشاء‏)‏ وعن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ ‏(‏إذا طهرت الحائض قبل أن تغرب الشمس صلت الظهر والعصر وإذا طهرت قبل الفجر صلت المغرب والعشاء‏)‏ رواهما سعيد بن منصور في سننه والأثرم وقال‏:‏ قال أحمد‏:‏ عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده انتهى‏.‏

 باب سؤر الحائض ومؤاكلتها

1 - عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب وأتعرق العرق وأنا حائض فأناوله النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتعرق العرق‏)‏ العرق بعين مهملة مفتوحة وراء ساكنة بعدها قاف العظم وتعرقه أكل ما عليه من اللحم ذكر معنى ذلك في القاموس‏.‏

والحديث يدل على أن ريق الحائض طاهر ولا خلاف فيه فيما أعلم وعلى طهارة سؤرها من طعام أو شراب ولا أعلم فيه خلافًا‏.‏

2 - وعن عبد اللَّه بن سعد قال‏:‏ ‏(‏سألت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عن مواكلة الحائض قال‏:‏ واكلها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏

الحديث قال الترمذي‏:‏ حديث حسن غريب‏.‏ وأخرجه أيضًا أبو داود رواته كلهم ثقات وإنما غربه الترمذي لأنه تفرد به العلاء بن الحارث عن حكيم بن حزام وحكيم بن حزام عن عمه عبد اللَّه بن سعد‏.‏

وفي الباب ما تقدم عن أنس عند مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏اصنعوا كل شيء إلا النكاح‏)‏ وهو شاهد لصحة حديث الباب‏.‏ وكذلك حديث عائشة السابق‏.‏ قال ابن سيد الناس في شرح حديث الباب‏:‏ لما اعتضد به ارتقى في مراتب التحسين إلى مرتبة لم تكن له لولاه‏.‏

والحديث يدل على جواز مواكلة الحائض قال الترمذي‏:‏ وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمواكلة الحائض بأسًا‏.‏ قال ابن سيد الناس في شرحه‏:‏ وهذا مما أجمع الناس عليه وهكذا نقل الإجماع محمد بن جرير الطبري‏.‏ وأما قوله تعالى ‏{‏فاعتزلوا النساء في المحيض‏}‏ فالمراد اعتزلوا وطئهن‏.‏

 باب وطء المستحاضة

1 - عن عكرمة عن حمنة بنت جحش‏:‏ ‏(‏أنها كانت تستحاض وكان زوجها يجامعها‏)‏‏.‏

2 - وعنه أيضًا قال‏:‏ ‏(‏كانت أم حبيبة تستحاض وكان زوجها يغشاها‏)‏‏.‏

رواهما أبو داود وكانت أم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف كذا في صحيح مسلم‏.‏ وكانت حمنة تحت طلحة بن عبيد اللَّه‏.‏

أما حديثه الأول فأخرجه أيضًا البيهقي قال النووي‏:‏ وإسناده حسن‏.‏ وأما حديثه الثاني ففي إسناده معلى وهو ثقة وكان أحمد لا يروي عنه لأنه كان ينظر في الرأي وفي سماع عكرمة بن عمار من حمنة ومن أم حبيبة نظر قاله المنذري‏.‏

وهما يدلان على جواز مجامعة المستحاضة ولو حال جريان الدم وهو قول الجمهور وحكاه ابن المنذر عن ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعطاء وسعيد بن جبير وقتادة وحماد بن سليمان وبكر بن عبد اللَّه المزني والأوزاعي والثوري ومالك وإسحاق والشافعي وأبي ثور واستدلوا بما في الباب‏.‏

وقال النخعي والحكم‏:‏ إنه لا يأتيها زوجها وكرهه ابن سيرين وروي عن أحمد المنع أيضًا‏.‏

ولعل أهل القول الأول يقيدون ذلك بأن لا تعلم بالإمارات أو العادة أن ذلك الدم دم الحيض وفي احتجاجهم بروايتي عكرمة نظر لأن غايتهما أنه فعل صحابي ولم ينقل فيه التقرير من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولا الأذن له بذلك ولكنه ينبغي التعويل في الاستدلال على أن التحريم إنما يثبت بدليل ولم يرد في ذلك شرع يقتضي المنع منه‏.‏

وقد استدل القائلون بعدم الجواز أيضًا بما رواه الخلال بإسناده إلى عائشة قالت‏:‏ ‏(‏المستحاضة لا يغشاها زوجها‏)‏ قالوا‏:‏ ولأن بها أذى فيحرم وطؤها كالحائض وقد منع اللَّه من وطء الحائض معللًا بالأذى والأذى موجود في المستحاضة فثبت التحريم في حقها‏.‏

 كتاب النفاس

 باب أكثر النفاس

1 - عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل واسمه كثير بن زياد عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت‏:‏ ‏(‏كانت النفساء تجلس على عهد رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أربعين يومًا وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف‏)‏‏.‏

‏[‏الورس قال في القاموس‏:‏ نبات كالسمسم ليس إلا باليمن يزرع فيبقى عشرين سنة نافع للكلف‏.‏ طلاء وقال في النهاية‏:‏ وهو نبت أصفر يصبغ به‏.‏ والكلف قال في القاموس‏:‏ محرك شيء يعلو الوجه كالسمسم ولونه بين السواد والحمرة‏.‏ وحمرة كدرة تعلو الوجه‏]‏‏.‏

رواه الخمسة إلا النسائي وقال البخاري‏:‏ علي بن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل ثقة‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني والحاكم وعلي بن عبد الأعلى ثقة وأبو سهل وثقه البخاري وابن معين وضعفه ابن حبان‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولم يصب‏.‏ ومسة الأزدية مجهولة الحال قال ابن سيد الناس‏:‏ لا يعرف حالها ولا عينها ولا تعرف في غير هذا الحديث‏.‏

قال النووي‏:‏ قول جماعة من مصنفي الفقهاء أن هذا الحديث ضعيف مردود عليهم وله شاهد أخرجه ابن ماجه من طريق سلام عن حميد عن أنس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقت للنفساء أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك‏)‏ قال‏:‏ لم يروه عن حميد غير سلام وهو ضعيف كذبه ابن معين وغيره من الأئمة ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن أنس موقوفًا وروى الحاكم من حديث الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال‏:‏ ‏(‏وقت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم للنساء في نفاسهن أربعين يومًا‏)‏ وقال‏:‏ صحيح إن سلم من أبي بلال الأشعري‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ضعفه الدارقطني والحسن عن عثمان منقطع والمشهور عن عثمان موقوف‏.‏

وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي هريرة قالا‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم تنتظر النفساء أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإن بلغت أربعين يومًا ولم تر الطهر فلتغتسل‏)‏ ذكره ابن عدي وفيه العلاء بن كثير وهو ضعيف جدًا‏.‏

وفي الباب أيضًا عن عائشة نحو حديث عثمان بن أبي العاص عند الدارقطني وفيه أبو بلال الأشعري وهو ضعيف وعطاء بن عجلان متروك الحديث وحديث الباب قال الحاكم بعد إخراجه في مستدركه‏:‏ إنه صحيح الإسناد‏:‏ وقال الخطابي‏:‏ أثنى البخاري على هذا الحديث‏.‏

وقد اختلف الناس في أكثر النفاس فذهب علي عليه السلام وعمر وعثمان وعائشة وأم سلمة وعطاء والثوري والشعبي والمزني وأحمد بن حنبل ومالك والهادي والقاسم والناصر والمؤيد باللَّه وأبو طالب إلى أن أكثر النفاس أربعون يومًا‏.‏

واستدلوا بحديث الباب وما ذكرناه بعده وقال الشافعي في قول وروي عن إسماعيل وموسى ابني جعفر بن محمد الصادق بل سبعون قالوا‏:‏ إذ هو أكثر ما وجد‏.‏ وفي قول للشافعي وهو الذي في كتب الشافعية وروي أيضًا عن مالك بل ستون يومًا لذلك‏.‏ وقال الحسن البصري‏:‏ خمسون لذلك‏.‏ وقالت الإمامية‏:‏ نيف وعشرون والنص يرد عليهم وقد أجابوا عنه بما تقدم من الضعف وبأنه كما قال الترمذي في العلل‏:‏ منكر المتن فإن أزواج النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما منهن من كانت نفساء أيام كونها معه إلا خديجة وزوجيتها كانت قبل الهجرة فإذًا لا معنى لقول أم سلمة قد كانت المرأة من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم تقعد في النفاس هكذا قال‏:‏ وفيه أن التصريح بكونهن من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم ظاهر في كونهن من غير زوجاته فلا يشكل ما ذكره‏.‏

وأيضًا نساؤه أعم من الزوجات لدخول البنات وسائر القرابات تحت ذلك والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يومًا متعاضدة بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين فالواجب على النفساء وقوف أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة‏.‏

قال الترمذي في سننه‏:‏ وقد أجمع أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وسلم والتابعون ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يومًا إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي انتهى‏.‏

وما أحسن ما قال المصنف رحمه اللَّه تعالى ههنا

‏[‏معنى قول المصنف أمر كل امرأة أن تجلس أربعين سواء كانت متصلة الدم إلى ذلك أو انقطع دمها وفي ذلك نظر إذ كيف تؤمر التي طهرت من النفاس بانقطاع دمها لأقل من ذلك بترك الصلاة مع وجوبها عليها وعدم المانع‏.‏

نعم روي عن أحمد رضي اللَّه عنه أنه استحب لمن طهرت قبل الأربعين أن لا يقربها زوجها حتى تتم ذلك قال‏:‏ ما يعجبني أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص أنها أتته قبل الأربعين فقال‏:‏ لا تقربيني‏.‏

قال ابن قدامة في المغني‏:‏ وهذا على سبيل الاستحباب لأنا حكمنا لها بحكم الطاهرات فلهذا يلزمها أن تغتسل وتصلي وتصوم وإن عاد دمها في مدة الأربعين ففيه روايتان إحداهما أنه من نفاسها فتمتنع عن الصلاة والصوم فإن طهرت أيضًا اغتسلت وصلت وصامت وهذا قول عطاء والشعبي‏.‏

والثانية إنه مشكوك فيه تصوم وتصلي ثم تقضي الصوم احتياطًا وهذه هي المشهورة عن أحمد ولا يأتيها زوجها إذا رأت الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق إنسان فهو نفاس وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة فليس بنفاس‏.‏

وإن كان بعد بضعة لم يتبين فيها شيء فوجهان أحدهما نفاس والثاني ليس بنفاس‏.‏ وإذا ولدت المرأة توأمين فعن أحمد روايتان إحداهما أن النفاس من الأول كله أوله وآخره وهي الصحيحة وهذا قول مالك وأبي حنيفة والرواية الثانية مختلف فيها فقول إن أوله من الأول وآخره من الثاني‏.‏ وقول آخر إنه من الثاني فقط اهـ من المغني باختصار‏]‏‏.‏ ولفظه‏:‏ قلت‏:‏ ومعنى الحديث كانت تؤمر أن تجلس إلى الأربعين لئلا يكون الخبر كذبًا إذ لا يمكن أن تتفق عادة نساء عصر في نفاس أو حيض انتهى‏.‏

وقد لخصت هذه المسألة في رسالة مستقلة واختلف العلماء في تقدير أهل النفاس فعند العترة والشافعي ومحمد لا حد لأقله واستدلوا بما سبق من قوله‏:‏ ‏(‏فإن رأت الطهر قبل ذلك‏)‏ وقال زيد بن علي‏:‏ ثلاثة أقراء فإذا كانت المرأة تحيض خمسًا فأقل نفاسها خمسة عشر يومًا‏.‏ وقال أبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ بل أحد عشر يومًا كأكثر الحيض وزيادة يوم لأجل الفرق‏.‏

وقال الثوري‏:‏ ثلاثة أيام وجميع الأقوال ما عدا الأول لا دليل عليها ولا مستند لها إلا الظنون‏.‏

 باب سقوط الصلاة عن النفساء

1 - عن أم سلمة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏كانت المرأة من نساء النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم تقعد في النفساء أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى اللَّه عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الترمذي وابن ماجه وهو عند أبي داود من طريق أحمد بن يونس عن زهير عن علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل كثير بن زياد عن مسة عن أم سلمة فهو أحد روايات حديث مسة السابق وقد تقدم الكلام عليه وهو يدل على أنها تترك الصلاة أيام النفاس وقد وقع الإجماع من العلماء كما في البحر أن النفاس كالحيض في جميع ما يحل ويحرم ويكره ويندب وقد أجمعوا أن الحائض لا تصلي وقد أسلفنا ذلك‏.‏

 كتاب الصلاة‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ اختلف العلماء في أصل الصلاة فقيل هي الدعاء لاشتمالها عليه وهذا قول جماهير أهل العربية والفقهاء وغيرهم‏.‏ وقيل لأنها ثانية لشهادة التوحيد كالمصلي من السابق في خيل الحلبة‏.‏ وقيل هي من الصلوين وهما عرقان مع الردف‏.‏ وقيل هما عظمان‏.‏ وقيل هي من الرحمة‏.‏ وقيل أصلها الإقبال على الشيء‏.‏ وقيل غير ذلك انتهى‏.‏

 باب افتراضها ومتى كان

1 - عن عبد اللَّه بن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على خمس‏)‏ في بعض الروايات خمسة بالهاء وكلاهما صحيح فالمراد برواية الهاء خمسة أركان أو أشياء أو نحو ذلك وبرواية حذف الهاء خمس خصال أو دعائم أو قواعد أو نحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شهادة‏)‏ بالجر على البدل ويجوز رفعه خبر المبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف وتقديره أحدها أو منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإقام الصلاة‏)‏ أي المداومة عليها‏.‏

والحديث يدل على أن كمال الإسلام وتمامه بهذه الخمس فهو كخباء أقيم على خمسة أعمدة وقطبها الذي يدور عليه الأركان الشهادة وبقية شعب الإيمان كالأوتاد للخباء‏.‏ فظهر من هذا التمثيل أن الإسلام غير الأركان كما أن البيت غير الأعمدة والأعمدة غيره وهذا مستقيم على مذهب أهل السنة لأن الإسلام عندهم التصديق بالقول والعمل

‏[‏قال الإمام ابن رجب‏:‏ المراد من هذا الحديث أن الإسلام مبني على هذه الخمس فهي كالأركان لبنيانه‏.‏ والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان ودعائم البنيان هذه الخمس فلا يثبت البنيان بدونها وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم لا ينتقض بنقص ذلك بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس فإن الإسلام يزول بفقدها جميعًا بغير إشكال وكذلك يزول بفقد الشهادتين والمراد بهما الإيمان باللَّه ورسوله‏.‏

وبهذا تعلم أن الإيمان باللَّه ورسوله داخل في ضمن الإسلام إلى أن قال‏:‏ وقال ابن عيينة‏:‏ المرجئة سموا ترك الفرائض بمنزلة ركوب المحارم وليس سواء لأن ركوب المحارم متعمدًا من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر وهو كفر وبيان ذلك في أمر إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعثة النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه‏.‏ ثم قال‏:‏ واعلم أن هذه الدعائم الخمس بعضها مرتبط ببعض وقد روي أنه لا يقبل بعضها بدون بعض كما في مسند أحمد عن زياد ابن نعيم الحضرمي قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أربع فرضهن اللَّه من الإسلام فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئًا حتى يأتي بهن جميعًا الصلاة والزكاة وصوم رمضان وحج البيت‏)‏‏.‏

وروي عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الدين خمس لا يقبل اللَّه منهن شيئًا دون شيء شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا عبده ورسوله وإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله وبالجنة والنار والحياة بعد الموت هذه واحدة والصلوات الخمس عمود الدين لا يقبل اللَّه الإيمان إلا بالصلاة والزكاة طهور من الذنوب ولا يقبل اللَّه الإيمان ولا الصلاة إلا بالزكاة فمن فعل هؤلاء الثلاث ثم جاء رمضان فترك صيامه متعمدًا لم يقبل اللَّه منه الإيمان ولا الصلاة ولا الزكاة فمن فعل هؤلاء الأربعة ثم تيسر له الحج ولم يحج ولم يوص بحجته ولم يحج عنه بعض أهله لم يقبل اللَّه منه الأربع التي قبلها‏)‏ ذكره ابن أبي حاتم وقال‏:‏ سألت أبي عنه فقال‏:‏ هذا حديث منكر يحتمل أن هذا من كلام عطاء الخراساني‏.‏ قلت‏:‏ الظاهر أنه من تفسيره لحديث ابن عمر وعطاء من أجلاء علماء الشام‏.‏

وقال ابن مسعود‏:‏ من لم يزك فلا صلاة له اهـ من جامع العلوم والحكم ببعض تصرف واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

والحديث أورده عبد اللَّه بن عمر في جواب من قال له ألا تغزو فقال‏:‏ ‏(‏إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول بني الإسلام‏)‏ الحديث فاستدل به ابن عمر على عدم وجوب غير ما اشتمل عليه ومن جملة ذلك الغزو لأن الإسلام بني على خمس ليس هو منها‏.‏

قال النووي في شرح مسلم‏:‏ اعلم أن هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده وقد جمع أركانه‏.‏

2 - وعن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏فرضت على النبي صلى اللَّه عليه وسلم الصلوات ليلة أُسرِي به خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسًا ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لديَّ وإن لك بهذه الخمس خمسين‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه‏.‏

الحديث في الصحيحين بلفظ‏:‏ ‏(‏هي خمس وهي خمسون‏)‏ وبلفظ‏:‏ ‏(‏هن خمس وهن خمسون‏)‏ المراد أنها خمس في العدد وخمسون في الأجر والاعتداد‏.‏

والحديث طرف من حديث الإسراء الطويل‏.‏ وقد استدل به على عدم فرضية ما زاد على الخمس الصلوات كالوتر وعلى دخول النسخ في الإنشاآت ولو كانت مؤكدة خلافًا لقوم فيما أكد‏.‏ وعلى جواز النسخ قبل الفعل وإليه ذهبت الأشاعرة قال ابن بطال وغيره‏:‏ في بيان وجه الدلالة ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلى ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب وتعقبه ابن المنير فقال‏:‏ هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قبل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعًا على أن النسخ لا يتصور قبل البلاغ وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعًا قال‏:‏ وهذه نكتة مبتكرة‏.‏

قال الحافظ في الفتح‏:‏ قلت إن أراد قبل البلاغ لكل أحد فممنوع وإن أراد قبل البلاغ إلى الأمة فمسلم ولكن قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم نسخًا لكن هو نسخ بالنسبة إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأنه كلف بذلك قطعًا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى اللَّه عليه وسلم‏.‏

3 - وعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت‏:‏ ‏(‏فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر ففرضت أربعًا وتركت صلاة السفر على الأول‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري‏.‏

زاد أحمد من طريق ابن كيسان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثًا‏.‏

والحديث يدل على وجوب القصر وأنه عزيمة لا رخصة وقد أخذ بظاهره الحنفية والهادوية واحتج مخالفوهم بقوله سبحانه ‏{‏ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة‏}‏ ونفي الجناح لا يدل على العزيمة والقصر إنما يكون من شيء أطول منه قالوا‏:‏ ويدل على أنه رخصة قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏صدقة تصدق اللَّه بها عليكم‏)‏ وأجابوا عن حديث الباب بأنه من قول عائشة غير مرفوع وبأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة قاله الخطابي وغيره‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفي هذا الجواب نظر أما أولًا فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع وأما ثانيًا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة يكون مرسل صحابي وهو حجة لأنه يحتمل أن يكون أخذه عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أو عن صحابي آخر أدرك ذلك‏.‏

وأما قول إمام الحرمين لو كان ثابتًا لنقل متواترًا ففيه نظر لأن التواتر في مثل هذا غير لازم وقالوا أيضًا يعارض حديث عائشة هذا حديث ابن عباس‏:‏ ‏(‏فرضت الصلاة في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين‏)‏ أخرجه مسلم‏.‏

- والجواب - أنه يمكن الجمع بين حديث عائشة وابن عباس فلا تعارض وذلك بأن يقال إن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت بعد الهجرة إلا الصبح كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين فلما قدم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر النهار‏)‏ انتهى‏.‏

ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة‏.‏ ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها‏.‏

وقيل كان قصر الصلاة في ربيع الآخر من السنة الثانية ذكره الدولابي وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو نحوه‏.‏ وقيل بعد الهجرة بأربعين يومًا فعلى هذا المراد بقول عائشة‏:‏ ‏(‏فأقرت صلاة السفر‏)‏ أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف‏.‏

والمصنف ساق الحديث للاستدلال به على فرضية الصلاة لا أنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة ولعله يأتي تحقيق ما هو الحق في باب صلاة السفر إن شاء اللَّه تعالى‏.‏

4 - وعن طلحة بن عبيد اللَّه‏:‏ ‏(‏أن أعرابيًا جاء إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثائر الرأس فقال‏:‏ يا رسول اللَّه أخبرني ما فرض اللَّه عليَّ من الصلاة قال‏:‏ الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا قال‏:‏ أخبرني ما فرض اللَّه عليَّ من الصيام قال‏:‏ شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا قال‏:‏ أخبرني ما فرض اللَّه عليَّ من الزكاة قال‏:‏ فأخبره رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بشرائع الإسلام كلها فقال‏:‏ والذي أكرمك لا أطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض اللَّه عليَّ شيئًا فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود والنسائي ومالك في الموطأ وغير هؤلاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أعرابيًا‏)‏ في رواية ‏(‏جاء رجل‏)‏ زاد أبو داود ‏(‏من أهل نجد‏)‏ وكذا في مسلم والموطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثائر الرأس‏)‏ هو مرفوع على الوصف على رواية جاء رجل ويجوز نصبه على الحال والمراد أن شعره متفرق من ترك الرفاهية ففيه إشارة إلى قرب عهده بالوفادة‏.‏

وأوقع اسم الرأس على الشعر إما مبالغة أو لأن الشعر منه ينبت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا أن تطوع‏)‏ بتشديد الطاء والواو وأصله تتطوع بتاءين فأدغمت إحداهما ويجوز تخفيف الطاء على حذف إحداهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والذي أكرمك‏)‏ وفي رواية إسماعيل بن جعفر عند البخاري ‏(‏واللَّه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفلح إن صدق‏)‏ وقع عند مسلم من رواية إسماعيل بن جعفر ‏(‏أفلح وأبيه إن صدق أو دخل الجنة وأبيه إن صدق‏)‏ ولأبي داود مثله‏.‏ ‏(‏فإن قيل‏)‏ ما الجامع بين هذا وبين النهي عن الحلف بالآباء أجيب عن ذلك بأنه كان قبل النهي أو بأنها كلمة جارية على اللسان لا يقصد بها الحلف أو فيه إضمار اسم الرب كأنه قال ورب أبيه أو أنه خاص ويحتاج إلى دليل‏.‏

وحكى السهيلي عن بعض مشايخه أنه قال‏:‏ هو تصحيف وإنما كان واللَّه فقصرت اللامان واستنكره القرطبي وغفل القرافي فادعى أن الرواية بلفظ‏:‏ ‏(‏وأبيه‏)‏ لم تصح وكأنه لم يرتض الجواب فعدل إلى رد الخبر وهو صحيح لا مرية فيه‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأقوى الأجوبة الأولان‏.‏

والحديث يدل على فرضية الصلاة وما ذكر معها على العباد‏.‏ قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ فيه مستدل لمن لم يوجب صلاة الوتر ولا صلاة العيد انتهى‏.‏

وقد أوجب قوم الوتر وآخرون ركعتي الفجر وآخرون صلاة الضحى وآخرون صلاة العيد وآخرون ركعتي المغرب وآخرون صلاة التحية ومنهم من لم يوجب شيئًا من ذلك وجعل هذا الحديث صارفًا لما ورد بعده من الأدلة المشعرة بالوجوب‏.‏

وفي الحديث أيضًا دليل على عدم وجوب صوم عاشوراء وهو إجماع وأنه ليس في المال حق سوى الزكاة وفيه غير ذلك وقد جعل هذا الحديث دليلًا على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي لأن ما وقع في مبادئ التعاليم لا يصح التعلق به في صرف ما ورد بعده وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة وأنه خرق للإجماع وإبطال لجمهور الشريعة فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد موردًا صحيحًا ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما وفي المسألة خلاف وهذا أرجح القولين‏.‏ والبحث مما ينبغي لطالب الحق أن يمعن النظر فيه ويطيل التدبر فإن معرفة الحق فيه من أهم المطالب العلمية لما ينبني عليه من المسائل البالغة إلى حد يقصر عنه العد‏.‏

وقد أعان اللَّه وله الحمد على جمع رسالة في خصوص هذا المبحث وقد أشرت إلى هذه القاعدة في عدة مباحث في غير هذا الباب وهذا موضع عرض ذكرها فيه‏.‏

 باب قتل تارك الصلاة

1 - عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمدًا رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه عز وجل‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولأحمد مثله من حديث أبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمرت‏)‏ قال الخطابي‏:‏ معلوم أن المراد بقوله أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه أهل الأوثان دون أهل الكتاب لأنهم يقولون لا إله إلا اللَّه ويقاتلون ولا يرفع عنهم السيف وهذا التخصيص بأهل الأوثان إنما يحتاج إليه في الحديث الذي اقتصر فيه على ذكر الشهادة وجعلت لمجردها موجبة للعصمة‏.‏ وأما حديث الباب فلا يحتاج إلى ذلك لأن العصمة متوقفة على كمال تلك الأمور ولا يمكن وجودها جميعًا من غير مسلم‏.‏

والحديث يدل على أن من أخل بواحدة منها فهو حلال الدم والمال إذا لم يتب وسيأتي ذكر الخلاف وبيان ما هو الحق في الباب الذي بعد هذا‏.‏ وفي الاستتابة وصفتها ومدتها خلاف المعروف في الفقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا بحق الإسلام‏)‏ المراد ما وجب به من شرائع الإسلام إراقة الدم كالقصاص وزنا المحصن ونحو ذلك أو حل به أخذ جزء من المال كأروش الجنايات وقيم المتلفات وما وجب من النفقات وما أشبه ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحسابهم على اللَّه‏)‏ المراد فيما يستسر به ويخفيه دون ما يعلنه ويبديه‏.‏ وفيه أن من أظهر الإسلام وأسر الكفر يقبل إسلامه في الظاهر وهذا قول أكثر العلماء‏.‏

وذهب مالك إلى أن توبة الزنديق لا تقبل ويحكى ذلك عن أحمد بن حنبل قاله الخطابي‏.‏

وذكر القاضي عياض معنى هذا وزاد عليه وأوضحه‏.‏ قال النووي‏:‏ وقد اختلف أصحابنا في قبول توبة الزنديق

‏[‏ومن هؤلاء الزنادقة ملحدوا أهل زمننا الذين يقلدون الفرنج في الإلحاد تقليدًا أعمى ويقولون إن الشرائع الإسلامية لا تلائم روح العصر الحاضر ولا يتفق قطع يد السارق مثلًا ومظاهر التحضر والتمدين الذي لا يعدو بعض شهوات النفوس وما تهواه من لذة النساء أو المال وهذا كل ما يتغنون به من الحضارة فأما تزكية النفس وترقية الأخلاق وتهذيب الروح وتصفيتها من تلك الكدورات التي هي مثار الأنانية وحب الذات الذي طالما قضى على سعادة الإنسان وراحته وما العهد بالحرب الأوربية ببعيد وما أساسها إلا تلك المدنية والحضارة الموهومة أقول‏:‏ أما كل ذلك الذي يهنأ به الإنسان وتحيا به الأمم أما ذلك النور الذي يهدي به اللَّه من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم فقد أعلنوا براءتهم منه بل أعلنوا حربهم عليه ليس إلا لأنه دين سماوي جاء من عند الحكيم الخبير وأخذوا يهاجمونه من كل ناحية ويحاولون القضاء عليه يريدون أن يطفئوا نور اللَّه بأفواههم ويأبى اللَّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون‏.‏ وعلماء الإسلام غافلون عن كل ذلك فيما هم فيه مما نسأل اللَّه لهم منه العافية وأن ينزع من قلوبهم تلك التي فتنتهم وصرفتهم عن خدمته ما اعتزوا به والتجؤوا إليه واللَّه وحده المسؤول أن يحفظنا من الفتن ويهدينا جميعًا سبيله السوي وصراطه المستقيم‏]‏‏.‏

وهو الذي ينكر الشرع جملة قال‏:‏ فذكروا فيه خمسة أوجه لأصحابنا والأصوب فيها‏:‏ قبولها مطلقًا للأحاديث الصحيحة المطلقة‏.‏ والثاني‏:‏ لا تقبل ويتحتم قتله لكنه إن صدق في توبته نفعه ذلك في الدار الآخرة فكان من أهل الجنة‏.‏ والثالث‏:‏ إن تاب مرة واحدة قبلت توبته فإن تكرر ذلك منه لم تقبل‏.‏ والرابع‏:‏ إن أسلم ابتداء من غير طلب قبل منه وإن كان تحت السيف فلا‏.‏ والخامس‏:‏ إن كان داعيًا إلى الضلال لم يقبل منه وإلا قبل‏.‏

قال النووي‏:‏ وأيضًا ولا بد مع هذا يعني القيام بالأمور المذكورة في الحديث من الإيمان بجميع ما جاء به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما جاء في الرواية الأخرى التي أشار إليها المصنف وهي من حديث أبي هريرة في صحيح مسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏)‏‏.‏

2 - وعن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏لما توفي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ارتدت العرب فقال‏:‏ يا أبا بكر كيف نقاتل العرب فقال أبو بكر‏:‏ إنما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا البيهقي في السنن وإسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا محمد بن بشار حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا عمران أبو العوام حدثنا معمر عن الزهري عن أنس فذكره وكلهم من رجال الصحيح إلا عمران أبو العوام فإنه صدوق يهم ولكن قد ثبت معناه في الصحيحين لكن بدون أنه قال ذلك أبو بكر في مراجعته لعمر بل الذي فيهما أن عمر احتج على أبي بكر لما عزم على قتال أهل الردة بقول النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه فمن قال لا إله إلا اللَّه فقد عصم نفسه وماله فقال له أبو بكر‏:‏ واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال واللَّه لو منعوني عقالًا كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه‏)‏‏.‏

قال النووي‏:‏ وفي استدلال أبي بكر واعتراض عمر رضي اللَّه عنهما دليل على أنهما لم يحفظا عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ما رواه ابن عمر وأنس وأبو هريرة يعني من الأحاديث التي فيها ذكر الصلاة والزكاة فإن عمر لو سمع لما خالف ولما احتج بالحديث فإنه بهذه الزيادة حجة عليه ولو سمع أبو بكر هذه الزيادة لاحتج بها ولما احتج بالقياس والعموم اهـ‏.‏ وإنما ذكرنا هذا الكلام للتعريف بأن المشهور عند أهل الصحيح والشارحين له خلاف ما ذكره النسائي في هذه الرواية وسيأتي الكلام على مراجعة أبي بكر وعمر مبسوطًا في كتاب الزكاة‏.‏

والحديث يدل على ما دل عليه الذي قبله من أن المخل بواحدة من هذه الخصال حلال الدم ومباح المال‏.‏

3 - وعن أبي سعيد الخدري قال‏:‏ ‏(‏بعث علي عليه السلام وهو باليمن إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بذهبية فقسمها بين أربعة فقال رجل‏:‏ يا رسول اللَّه اتق فقال‏:‏ ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي اللَّه ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد‏:‏ يا رسول اللَّه ألا أضرب عنقه فقال‏:‏ لا لعله أن يكون يصلي فقال خالد‏:‏ وكم من مصلي يقول بلسانه ما ليس في قلبه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم‏)‏‏.‏

مختصر من حديث متفق عليه‏.‏

الحديث اختصره المصنف وترك أطرافًا من أوائله وتمامه قال‏:‏ ‏(‏ثم نظر إليه وهو مقف فقال‏:‏ إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب اللَّه لينًا رطبًا لئن أدركتهم لأقتلهن قتل ثمود‏)‏ انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بذهيبة‏)‏ على التصغير‏.‏ وفي رواية بذهبة بفتح الذال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين أربعة‏)‏ هم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل كذا في صحيح مسلم‏.‏

قال النووي‏:‏ قال العلماء ذكر عامر هنا غلط ظاهر لأنه توفي قبل هذا بسنين والصواب الجزم بأنه علقمة بن علاثة كما هو مجزوم به في باقي الروايات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال خالد بن الوليد‏)‏ في رواية عمر بن الخطاب وليس بينهما تعارض بل كل واحد منهما استأذن فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعله أن يكون يصلي‏)‏ فيه أن الصلاة موجبة لحقن الدم ولكن مع بقية الأمور المذكورة في الأحاديث الآخرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم أومر أن أنقب‏)‏ الخ معناه إني أمرت بالحكم بالظاهر واللَّه متولي السرائر كما قال صلى اللَّه عليه وسلم ‏(‏فإذا قالوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه‏)‏‏.‏ والحديث استدل به على كفر الخوارج لأنهم المرادون بقوله في آخره ‏(‏قوم يتلون كتاب اللَّه‏)‏ كما صرح بذلك شراح الحديث وغيرهم‏.‏ وقد اختلف الناس في ذلك قال النووي بعد أن صرح هو والخطابي بأن الحديث وأمثاله يدل على كفر الخوارج‏:‏ وقد كادت هذه المسألة تكون أشد إشكالًا من سائر المسائل ولقد رأيت أبا المعالي وقد رغب إليه الفقيه عبد الحق في الكلام عليها فاعتذر بأن الغلط فيها يصعب موقعه لأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم منها عظيم في الدين‏.‏ وقد اضطرب فيها قول القاضي أبي بكر الباقلاني وناهيك به في علم الأصول وأشار ابن الباقلاني إلى أنها من المعوصات لأن القوم لم يصرحوا بالتكفير

‏[‏لعله بالكفر أو ما يوجب التكفير‏]‏‏.‏

وإنما قالوا قولًا يؤدي إلى ذلك‏.‏

وأنا أكشف لك نكتة الخلاف وسبب الإشكال وذلك أن المعتزلي مثلًا إذا قال إن اللَّه تعالى عالم ولكن لا علم له وحي ولا حياة له وقع الاشتباه في تكفيره لأنا علمنا من دين الأمة ضرورة أن من قال أن اللَّه ليس بحي ولا عالم كان كافرًا وقامت الحجة على استحالة كون العالم لا علم له فهل يقول إن المعتزلي إذا نفى العلم نفى أن يكون اللَّه عالمًا أو يقول قد اعترف بأن اللَّه تعالى عالم فلا يكون نفيه للعلم نفيًا للعالم هذا موضوع الإشكال‏.‏

قال‏:‏ هذا كلام الماوردي ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء أن الخوارج لا يكفرون‏.‏ قال الشافعي‏:‏ أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية وهم طائفة من الرافضة يشهدون لموافقيهم في المذهب بمجرد قولهم فرد شهادتهم لهذا لا لبدعتهم وسيأتي الكلام على الخوارج مبسوطًا في كتاب الحدود‏.‏

وقد استدل المصنف بالحديث على قبول توبة الزنديق فقال‏:‏ وفيه دليل لمن يقبل توبة الزنديق انتهى‏.‏ وقد تقدم الكلام على ذلك وما ذكره متوقف على أن مجرد قوله لرسول اللَّه ‏(‏اتق اللَّه‏)‏ زندقة وهو خلاف ما عرف به العلماء الزنديق‏.‏

وقد ثبت في رواية أخرى في الصحيح أنه قال ‏(‏واللَّه إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه اللَّه‏)‏ والاستدلال بمثل هذا على ما زعمه المصنف أظهر‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ حكم الشرع أن من سب النبي صلى اللَّه عليه وسلم كفر وقتل ولم يذكر في هذا الحديث أن هذا الرجل قتل‏.‏ قال المازري‏:‏ يحتمل أن يكون لم يفهم منع الطعن في النبوة وإنما نسبه إلى ترك العدل في القسمة ويحتمل أن يكون استدلال المصنف ناظرًا إلى قوله في الحديث ‏(‏لعله يصلي‏)‏ وإلى قوله‏:‏ ‏(‏لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس‏)‏ فإن ذلك يدل على قبول ظاهر التوبة وعصمة من يصلي فإذا كان الزنديق قد أظهر التوبة وفعل أفعال الإسلام كان معصوم الدم‏.‏

4 - وعن عبيد اللَّه بن عدي بن الخيار‏:‏ ‏(‏أن رجلًا من الأنصار حدثه أنه أتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو في مجلس يساره يستأذنه في قتل رجل من المنافقين فجهر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ أليس يشهد أن لا إله إلا اللَّه قال الأنصاري‏:‏ بلى يا رسول اللَّه ولا شهادة له قال‏:‏ أليس يشهد أن محمدًا رسول اللَّه قال‏:‏ بلى ولا شهادة له قال‏:‏ أليس يصلي قال‏:‏ بلى ولا صلاة له قال‏:‏ أولئك الذين نهاني اللَّه عن قتلهم‏)‏‏.‏

رواه الشافعي وأحمد في مسنديهما‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا مالك في الموطأ وفيه دلالة على أن الواجب المعاملة للناس بما يعرف من ظواهر أحوالهم من دون تفتيش وتنقيش فإن ذلك مما لم يتعبدنا اللَّه به ولذلك قال‏:‏ ‏(‏إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس‏)‏ وقال لأسامة لما قال له إنما قال ما قال يا رسول اللَّه تقية يعني الشهادة‏:‏ ‏(‏هل شققت عن قلبه‏)‏ واعتباره صلى اللَّه عليه وسلم لظواهر الأحوال كان ديدنًا له وهجيرًا في جميع أموره منها قوله صلى اللَّه عليه وسلم لعمه العباس لما اعتذر له يوم بدر بأنه مكره فقال له‏:‏ ‏(‏كان ظاهرك علينا‏)‏ وكذلك حديث‏:‏ ‏(‏إنما أقضي بما أسمع فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه إنما أقطع له قطعة من نار‏)‏ وكذلك حديث‏:‏ ‏(‏إنما نحكم بالظاهر‏)‏ وهو وإن لم يثبت من وجه معتبر فله شواهد متفق على صحتها ومن أعظم اعتبارات الظاهر ما كان منه صلى اللَّه عليه وسلم مع المنافقين من التعاطي والمعاملة بما يقتضيه ظاهر الحال‏.‏

 باب حجة من كفَّر تارك الصلاة

1 - عن جابر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي‏.‏

الحديث يدل على أن ترك الصلاة من موجبات الكفر ولا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكرًا لوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة وإن كان تركه لها تكاسلًا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف الناس في ذلك فذهبت العترة والجماهير من السلف والخلف منهم مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق فإن تاب وإلا قتلناه حدًا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف‏.‏

وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل وبه قال عبد اللَّه بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي‏.‏

وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي‏.‏

احتج الأولون على عدم كفره بقول اللَّه عز وجل ‏{‏إن اللَّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏ وبما سيأتي في الباب الذي بعد هذا من الأدلة‏.‏

واحتجوا على قتله بقوله تعالى ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم‏}‏ وبقوله صلى اللَّه عليه وسلم ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏)‏ الحديث متفق عليه‏.‏ وتأولوا قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة‏)‏ وسائر أحاديث الباب على أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو على أن فعله فعل الكفار‏.‏

واحتج أهل القول الثاني بأحاديث الباب‏.‏

واحتج أهل القول الثالث على عدم الكفر بما احتج به أهل القول الأول وعلى عدم القتل بحديث‏:‏ ‏(‏لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏)‏ وليس فيه الصلاة‏.‏

والحق أنه كافر يقتل أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة فتركها مقتض لجواز الإطلاق ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا فلا ملجئ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها

‏[‏قال العلامة ابن رجب‏:‏ وأما إقام الصلاة فقد وردت أحاديث متعددة تدل على أن من تركها فقد خرج من الإسلام ثم ساق حديث جابر وبعض ما ذكر هنا ثم قال‏:‏ وفي حديث معاذ عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة فجعل الصلاة كعمود الفسطاط الذي لا يقوم الفسطاط ولا يثبت إلا به ثم قال‏:‏ وقال عمر‏:‏ لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وقال سعد وعلي بن أبي طالب‏:‏ من تركها فقد كفر وقال عبد اللَّه بن شقيق‏:‏ كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئًا تركه كفر إلا الصلاة‏.‏ وقال أبو أيوب السختياني‏:‏ ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه ثم قال‏:‏ وحكى إسحاق إجماع أهل العلم عليه وقال محمد بن نصر المروزي‏:‏ هو قول جمهور أهل العلم من المحدثين اهـ من جامع العلوم والحكم‏.‏

وقال المنذري في الترغيب والترهيب‏:‏ من ترك الصلاة قال أبو محمد ابن حزء‏:‏ وقد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة رضي اللَّه عنهم‏:‏ أن من ترك صلاة فرض واحد متمعدًا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد لا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفًا‏.‏

قال الحافظ عبد العظيم‏:‏ قد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمدًا لتركها حتى يخرج جميع وقتها منهم عمر بن الخطاب وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه ابن عباس ومعاذ بن جبل وجابر بن عبد اللَّه وأبو الدرداء رضي اللَّه عنهم ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق ابن راهويه وعبد اللَّه ابن المبارك والنخعي والحكم بن عتيبة وأيوب الستختياني وأبو داود الطيالسي وأبو بكر ابن أبي شيبة وزهير بن حرب وغيرهم رحمهم اللَّه تعالى اهـ من الترغيب والترهيب واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ وأما أنه يقتل فلأن حديث‏:‏ ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس‏)‏ يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له وكذلك سائر الأدلة المذكورة في الباب الأول ولا أوضح من دلالتها على المطلوب وقد شرط اللَّه في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم‏}‏ فلا يخلى من لم يقم الصلاة‏.‏

وفي صحيح مسلم ‏(‏سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ عنقه ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع فقالوا‏:‏ ألا نقاتلهم قال‏:‏ لا ما صلوا‏)‏ فجعل الصلاة هي المانعة من مقاتلة أمراء الجور‏.‏ وكذلك قوله لخالد في الحديث السابق ‏(‏لعله يصلي‏)‏ فجعل المانع من القتل نفس الصلاة‏.‏

وحديث ‏(‏لا يحل دم امرئ مسلم‏)‏ لا يعارض مفهومه المنطوقات الصحيحة الصريحة‏.‏ والمراد بقوله في حديث الباب ‏(‏بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة‏)‏ كما قال النووي إن الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة فإن تركها لم يبق بينه وبين الكفر حائل‏.‏ وفي لفظ مسلم ‏(‏بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة‏)‏‏.‏

ومن الأحاديث الدالة على الكفر حديث الربيع بن أنس عن أنس عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏من ترك الصلاة متعمدًا فقد كفر جهارًا‏)‏ ذكره الحافظ في التلخيص وقال‏:‏ سئل الدارقطني عنه فقال‏:‏ رواه أبو النضر عن أبي جعفر عن الربيع موصولًا وخالفه علي بن الجعد فرواه عن أبي جعفر عن الربيع مرسلًا وهو أشبه بالصواب‏.‏ وأخرجه البزار من حديث أبي الدرداء بدون قوله‏:‏ ‏(‏جهارًا‏)‏ وأخرج ابن حبان في الضعفاء من حديث أبي هريرة مرفوعًا ‏(‏تارك الصلاة كافر‏)‏ واستنكره‏.‏ ورواه أبو نعيم من حديث أبي سعيد وفيه عطية وإسماعيل بن يحيى وهما ضعيفان‏.‏

قال العراقي‏:‏ لم يصح من أحاديث الباب إلا حديث جابر المذكور‏.‏ وحديث بريدة الذي سيأتي وأخرج ابن ماجه من حديث أبي الدرداء قال‏:‏ ‏(‏أوصاني خليلي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن لا تشرك باللَّه وإن قطعت وحرقت وأن لا تترك صلاة مكتوبة متعمدًا فمن تركها متعمدًا فقد برئت منه الذمة ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده ضعف‏.‏ ورواه الحاكم في المستدرك ورواه أحمد والبيهقي من طريق أخرى وفيه انقطاع‏.‏

ورواه الطبراني من حديث عبادة بن الصامت ومن حديث معاذ بن جبل وإسنادهما ضعيفان‏.‏ وقال ابن الصلاح والنووي‏:‏ إنه حديث منكر‏.‏

واختلف القائلون بوجوب قتل تارك الصلاة فالجمهور أنه يضرب عنقه بالسيف وقيل يضرب بالخشب حتى يموت واختلفوا أيضًا في وجوب الاستتابة فالهادوية توجبها وغيرهم لا يوجبها لأنه يقتل حدًا ولا تسقط التوبة الحدود كالزاني والسارق وقيل إنه يقتل لكفره فقد حكى جماعة الإجماع على كفره كالمرتد وهو الظاهر وقد أطال الكلام المحقق ابن القيم في ذلك كتابه في الصلاة والفرق بينه وبين الزاني واضح فإن هذا يقتل لتركه الصلاة في الماضي وإصراره على تركها في المستقبل والترك في الماضي يتدارك بقضاء ما تركه بخلاف الزاني فإنه يقتل بجناية تقدمت لا سبيل إلى تركها واختلفوا هل يجب القتل لترك صلاة واحدة أو أكثر فالجمهور أنه يقتل لترك صلاة واحدة والأحاديث قاضية بذلك والتقييد بالزيادة على الواحدة لا دليل عليه‏.‏

قال أحمد بن حنبل‏:‏ إذا دعي إلى الصلاة فامتنع وقال لا أصلي حتى خرج وقتها وجب قتله وهكذا حكم تارك ما يتوقف صحة الصلاة عليه من وضوء أو غسل أو استقبال قبلة أو ستر عورة وكل ما كان ركنًا أو شرطًا‏.‏

2 - وعن بريدة قال‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ العهد الذي بيننا وبينكم الصلاة فمن تركها فقد كفر‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

الحديث صححه النسائي والعراقي ورواه ابن حبان والحاكم وهو يدل على أن تارك الصلاة يكفر لأن الترك الذي جعل الكفر معلقًا به مطلق عن التقييد وهو يصدق بمرة لوجود ماهية الترك في ضمنها‏.‏ والخلاف في المسألة والتصريح بما هو الحق فيها قد تقدم في الذي قبله‏.‏

3 - وعن عبد اللَّه بن شقيق العقيلي قال‏:‏ ‏(‏كان أصحاب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة‏)‏‏.‏

رواه الترمذي‏.‏

الحديث رواه الحاكم وصححه على شرطهما وذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة لأن قوله كان أصحاب رسول اللَّه جمع مضاف وهو من المشعرات بذلك‏.‏

4 - وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا فقال‏:‏ ‏(‏من حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبيَّ بن خلف‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الطبراني في الكبير والأوسط‏.‏ وقال في مجمع الزوائد‏:‏ رجال أحمد ثقات وفيه أنه لا انتفاع للمصلي بصلاته إلا إذا كان محافظًا عليها لأنه إذا انتفى كونها نورًا وبرهانًا ونجاة مع عدم المحافظة انتفى نفعها‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وكان يوم القيامة مع قارون‏)‏ الخ يدل على أن تركها كفر متبالغ لأن هؤلاء المذكورين هم أشد أهل النار عذابًا وعلى تخليد تاركها في النار كتخليد من جعل معهم في العذاب فيكون هذا الحديث مع صلاحيته للاحتجاج مخصصًا لأحاديث خروج الموحدين وقد ورد من هذا الجنس شيء كثير في السنة ويمكن أن يقال مجرد المعية والمصاحبة لا يدل على الاستمرار والتأييد لصدق المعنى اللغوي بلبثه معهم مدة لكن لا يخفى أن مقام المبالغة يأبى ذلك وسيأتي في الباب الثاني ما يعارضه‏.‏